لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. logo إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه
shape
تفسير آيات الأحكام من سورة النور
76030 مشاهدة print word pdf
line-top
حادثة الإفك

...............................................................................


قد رتب عليه الجلد ثمانين جلدة، ورد الشهادة، والحكم بفسق ذلك القاذف، أنه من الفاسقين إلا من تاب، ثم إن من القذف أو من أكبره قذف عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- وهو الذي نزلت فيه هذه الآيات -سبع عشرة آية نزلت في قصتها- روى قصتها جماعة من التابعين، جمع رواياتهم الزهري ؛ حيث حدثه مجموعة منهم عن عائشة كعروة بن الزبير وعلقمة وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ذكروا أنها قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها، تقول: فأقرع بيننا مرة فخرج فيها سهمي -يعني أن كانت هي التي حصل أنه خرج سهمها أي: اسمها- وكان ذلك في غزوة المريسيع، وكانت في حدود سنة سبع أو ست من الهجرة، ولما قفل النبي -صلى الله عليه وسلم- من تلك الغزوة وباتوا ليلة في الطريق، لما كان في آخر الليل آذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالرحيل -أن ارحلوا-.
ولما آذن بالرحيل قالت عائشة خرجت من هودجي حتى جاوزت الرحل؛ فقضت حاجتها ثم رجعت إلى هودجها، ولما أقبلت إليه وجدت أن عِقدا لها من جَزْع أظفار قد انقطع -عقد تعلقه في رقبتها كزينة- فرجعت إلى موضعها تلتمس ذلك العقد، وحبسها ابتغاؤه وطلبه، فجاء الذين يُرَحِّلون ويحملون الهودج، فحملوا هودجها يعتقدون أنها في داخله ولم يستنكروا خفة الهودج؛ وذلك لأنها جارية حديثة السن ما غشيها الحمل، لم يستنكروا خفتها وظنوا أنها فيه، ولما وجدت العقد ورجعت إلى مكانها، وإذا الرحل قد قاموا وقد ساروا وقد تركوها، تقول: فظننت أنهم سيفقدوني؛ فاضطجعت في مكاني؛ فغلبني النوم، ثم ذكرت أن صفوان بن المعطل كان يتأخر عادة، وأنه أصبح في مكانه، فلما عزم على الرحيل رأى سواد إنسان، تقول: فعرفني وكان يراني قبل الحجاب؛ فاستيقظت باسترجاعه أنه يقول: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ تقول: فخمرت وجهي، وأناخ لي راحلته، وما كلمني، وسرنا خلف الركب، وألفيناهم في نحر الظهيرة وقد أناخوا للقيلولة.
فتقول: فهلك من هلك -أي تكلم في هذا الإفك من تكلم- واتهموها بأنها قد زنت بصفوان بن المعطل وأنه ما تأخر وتأخرت معه إلا لأنه زنى بها، وأخذ الناس يخوضون في هذا، وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبيّ ابن سلول وهو رأس المنافقين؛ فكان يجمع الكلام وكان يستوشيه وكان يفشيه.
ثم تقول: لما قدمت مرضت شهرا، وبقيت في منزلها وهي مريضة، فلما تماثلت تقول: خرجت مع أم مسطح إلى المناصع وكانت متبرزنا، وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل -يعني: للتبرز ولقضاء الحاجة- تقول: أمرنا أمر العرب الأول في التنزه؛ وذلك قبل أن نتخذ الكنف في بيوتنا يعني: ما كانوا يبنون في بيوتهم أماكن قضاء الحاجة؛ أمرهم أمر العرب الأولى في التنزه. تقول: فلما رجعنا عثرت أم مسطح في مِرطها-في كسائها الذي عليها- فقالت: تعس مسطح ؛ فأنكرت عليها عائشة وقالت: أتسبين رجلا شهد بدرا؟! -وهو ولدها- فقالت: وا هنتاه، أولم تسمعي ما قال؟! فأخبرتها بقول أهل الإفك، وكان من جملتهم الذين خاضوا في ذلك مسطح بن أثاثة الذي هو ولد هذه المرأة التي أخبرت عائشة لما أخبرتها تقول: ازداد مرضي ازددت مرضا. تقول: فلما جاءها النبي صلى الله عليه وسلم استأذنت إلى أبويها فأذن لها، فقالت: يا أبي ما يخوض الناس فيه؟ ماذا يتكلم الناس فيه؟ وسألت كذلك أمها أم رومان فقالت لها أمها: يا ابنتي هوني عليك الأمر، والله ما كانت امرأة حظية عند رجل؛ وكان لها ضرات إلا أكثرن القول فيها، تقول: فقلت: وقد تكلم الناس في هذا؟ فرجعت إلى بيتها، تقول: فبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، وبكت أيضا لليوم الثاني ولليوم الثالث، تقول: وكان أثر ما أجد البكاء فالق كبدي -يعني من كثرة البكاء الذي بكته من خجلها مما يتكلم الناس فيه-.
فتقول: -قبل ذلك- كان يريبني عدم الشفقة والرقة من النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي أجده إذا مرضت، فكان يدخل ويقول: كيف تيكم؟ ثم يرجع، فلما طال البكاء عليها -بعد ذلك- دخلت عليها امرأة من الأنصار، وجلست تبكي معها، وعندها أبواها فدخل عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وجلس معها، ثم حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا عائشة إنه قد بلغني عنك كذا وكذا؛ فإن كنت بريئة فسيبرئك الله؛ وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري منه؛ فإن العبد إذا أذنب واستغفر غفر له؛ فلما قال ذلك قلص دمعي، فقلت لأبي: أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال. فقال: والله ما أدري ما أقول له. فقلت لأمي: أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ما أدري ما أقول له، ذكرت تقول: إني جارية حديثة السن لا أذكر اسم يعقوب فقلت: إنكم قد بلغكم ذلك وصدقتم به؛ فما مثلي ومثلكم إلا كما قال أبو يوسف فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ أي: أنني أصبر صبرا جميلا، ثم ذكرت أنه في ذلك المكان، نزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي، تقول: فغشيه ما كان يغشاه حتى أنه ليتحدر من جبينه مثل العرق في يوم شات -في يوم شتاء- فلما أفاق قال: يا عائشة أما الله فقد برأك. فقال لها أبوها: قومي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله، الله هو الذي برأني، تقول: فأنزل الله قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ العشر الآيات يعني إلى قوله رَءُوفٌ رَحِيمٌ .
هذه العشر في قصتها، الآيات السبع التي بعدها إلى قوله: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ الآية هذه أيضا في قصتها. ذكرت أن أبا بكر -رضي الله عنه- كان ينفق على مسطح ؛ لكونه فقيرا، ولكونه ابن خالته؛ فلما خاض في هذا الأمر أراد أن يقطع نفقته عنه، فحلف على ذلك؛ أنزل الله تعالى: وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ قال أبو بكر بلى، والله أحب أن يغفر الله لي، فأعاد إليه نفقته وقال: والله لا أقطعها، فعمد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ثلاثة من الذين خاضوا في هذا الإفك فجلدهم، ثلاثة رجال وامرأة.
فالحاصل أن هذه الآيات نزلت في قصة الإفك فقول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ .
الإفك: هو الكذب، وكذلك البهتان وهو الكذب الذي لا دليل عليه، ولا أمارة عليه، وذلك لأنهم لما رأوا أنها تأخرت إلى نحر الظهيرة، وأنها جاءت مع هذا الرجل ألصقوا بها هذه التهمة، ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تأخر عنه الوحي خطب مرة فقال: من يعذرني من رجل -وهو ابن أبي - بلغني أذاه في أهلي، والله ما علمت على أهلي إلا خيرا، ولقد ذكروا رجلا لا أعلم عليه إلا خيرا، وما كان يدخل بيتي إلا معي؛ فقام أسيد بن حضير فقال: نحن نعذرك منه إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك؛ فقام سعد بن عبادة -وكان رجلا صالحا إلا أنه احتملته الحمية- فقال: كذبت والله لا تقدر عليه، فقام سعد بن معاذ - فقال: كذبت أنت،- هذا يدل على أن القصة متقدمة -فتساور الحيان- الأوس والخزرج- وكادوا أن يقتتلوا، ونزل النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخذ يهدئهم حتى سكنوا.
فكان من جملة الذين خاضوا فيه والذي تولى كبره هو ابن أبي ذكر مرة أن عائشة -رضي الله عنها- كانت تنهى أن يسب حسان مع أنه من جملة الذين خاضوا فيها، قال لها رجل: كيف تأذنين له وقد قال الله -تعالى- وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ فقالت: وأي عذاب أكبر وأقوى من العمى؟! وذلك لأنه أعمى حسان تنهى أن يسب وتقول: إنه كان يذب عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها مرة فأنشدها أبياتا يقول فيها:
حصـان رزان مـا تُـزَنُّ بريبـة
وتصبح غَرْثَى من لحوم الغَوافِـل
فقالت: لكنك أنت لست كذلك، يعني أنك لم تصبح أغرث من لحوم الغوافل يعني أنك تكلمت في هذا، ومع ذلك كانت تعذره وتقول: إنه الذي يقول:
فـإن أبـي ووالـدتي وعـرضي
لعـرض محمـد منكـم وقـاء
أتهجـوه ولسـت لــه بكـفء
فخيركمـا لشــركما الفــداء
لسـاني صـارم لا عيـب فيـه
وبحـري لا تكــدره الــدلاء
يعني: يمدح النبي -صلى الله عليه وسلم- ويلتزم بأن يمدحه، وأن يذب عنه كلام الذين يسبونه، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يشجعه على ذلك ويقول: اهجهم وهاجهم فإن جبريل معك، ومع ذلك أقام عليه الحد الذي هو الجلد ثمانين؛ لأنه من جملة من خاض في ذلك، ثم تاب بعد ذلك وقبلت توبته، وقبلت شهادته وقبل كلامه، وأما ابن أبي فإنه مات على نفاقه، كما ذكر ذلك بالأحاديث.
ثم سماه الله -تعالى- إفكا: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ -أي مجموعة منكم- ما ذكر عددهم إلا أن المشهور منهم هؤلاء الأربعة: مسطح وحسان وابن أبي وحمنة؛ حمنة وهي أخت زينب .
تقول: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أنه تأخر عنه الوحي استشار بعض صحابته، فاستشار زيدا فقال: أهلك ولا نعلم إلا خيرا، واستشار عليا فقال علي لا نعلم إلا خيرا والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، وكان عندها جارية عتيقة، وهي بريرة فسأل بريرة ماذا تعلمين عنها؟ فقالت: لا أعلم عنها إلا خيرا، إنها جارية حديثة السن تنام عن عجينها فتأتي الداجن فتأكله، سأل أيضا زينب عنها فقالت: أحمي سمعي وبصري ما أعلم عنها إلا خيرا؛ فعصمها الله تعالى بالورع، تقول: هي التي كانت تساميني يعني تفاخرني من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وأما أختها التي هي حمنة فهلكت فيمن هلك.
فهؤلاء من جملة العصبة عُصْبَةٌ مِنْكُمْ يقول تعالى: لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ أي لا تحسبوا أنه صدق، وأن فيه شرا؛ بل هو خير لكم، أي ما حدث إلا خير، وما حدث شيء يستنكر.
لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ هؤلاء الذين خاضوا فيه، عليهم شيء من الإثم بقدر ما اكتسبوا، والذي تولى كبره منهم -والذي هو ابن أبي - له عذاب عظيم، وعذب في الدنيا بالحد، وفي الآخرة هو من هو رأس المنافقين، وحسابه على الله تعالى، عاتب الله نبيه لما صلى عليه وقال: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ .
يقول تعالى: لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا كان الأولى بكم لما سمعتموه أن تظنوا بأنفسكم خيرا، وألا تتهموا أم المؤمنين التي هي أحب نسائه صلى الله عليه وسلم إليه، وألا تظنوا بذلك الرجل إلا خيرا، لأنكم تعرفونه بالورع، وأنه إنما أحسن في حمله لها، ولحوقه بالركب؛ إلى أن أتبعهم، فما فعل إلا خيرا فتظنون بأنفسكم وبإخوانكم خيرا.
لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ .
يعني: هذا إفك أي كذب لولا جاءوا، هلا جاءوا عليه بأربعة شهداء، لماذا لم يأتوا بأربعة شهداء؟ فإن من قذف طولب بأن يأتي بأربعة شهداء؛ فإذا لم يأتوا بهم؛ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ فكذبهم الله -تعالى- وبرأ أم المؤمنين من ذلك.
فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ يعني لولا أنه تفضل عليكم ورحمكم وتاب عليكم لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ يعني فيما تكلمتم به أيها العصبة، فيما تكلمتم به عذاب أليم -عاجل أو آجل- ثم يقول: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ -أي تستقبلونه- ذكر أن عائشة قرأت هذه الآية إِذْ تَلِقُونَهُ -يعني- تلفظونه وتقولون: الولق وهو الكذب وكانت أعلم به؛ لأنها نزل في شأنها؛ ولكن قراءة الجمهور تلَقَّوْنَهُ يعني: تسمعونه ثم تلفظونه وتتكلمون به بألسنتكم وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ، أي تتكلمون ِبأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ، أي: ليس لكم إلا الظن مجرد الظن -تتكلمون فيه بغير علم- وتحسبونه هينا يعني أنه أمر سهل ليس فيه إثم، وهو عند الله عظيم، ذنبه كبير. لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ أي من هؤلاء الذين يخوضون فيه، قلتم: ما يكون لنا أن نتكلم بهذا لا يحق لنا أن نتكلم به، سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ، يعني: تسبحون الله تعالى وتنزهونه، وتتوبون إليه، وتعرفون أن هذا بهتان، والبهتان: هو الكذب الصريح؛ البهتان هو الظلم. بهته: يعني: ظلمه وكذب عليه.
يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا ينصحكم ويخوفكم، لا تعودوا لمثل هذا أبدا -بقية حياتكم-؛ حتى لا تقعوا في هذا الإثم، إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ يعني يحذركم ويخوفكم أن تعودوا لمثله أبدا، وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ أي في مثل هذه الآيات لعلكم أن تعقلوا وتفهموا الأحكام.

line-bottom